بسم الله الرحمن الرحیم
ابوالحسن سید محمد بن حسین بن موسی معروف به سید رضی رحمهالله از بزرگانی است که در مجامع علمی و غیرعلمی بیشتر با گردآوری کتاب شریف نهجالبلاغه شناخته میشود، اما ایشان از جمله علماء جامع الاطرافی است که در زمینههای مختلف علمی از جمله علم قراءات تبحر دارد.
او خود تصریح میکند که استادش در زمینه قرائات ابوحفص عمر بن ابراهیم کتّانی[1] است. «و قال لي أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني- صاحب ابن مجاهد، و قد قرأت عليه القرآن بروايات كثيرة»( المجازات النبوية، ص: 42-۴٣)
از جمله تألیفات این بزرگوار دو کتاب با نام های «تلخیص البیان فی مجازات القرآن» و تفسیر«حقائق التأویل فی متشابه التنزیل» است. محقق کتاب تلخیص البیان، در مورد عنایت ایشان به قراءات در این کتاب مینویسد:
يلاحظ المتأمل عند أدنى نظر إلى هذا الكتاب أن الشريف الرضى يورد كثيرا من الآيات على قراءات غير القراءة فى المصحف الذي بين أيدينا. و هى قراءات صحيحة غير شاذة، لأنها للأئمة السبعة المروية قراءاتهم بالتواتر، و هم ابن عامر المتوفى بدمشق سنة 118 ه، و ابن كثير المتوفى بمكة سنة 120 ه، و عاصم بن أبى النّجود المتوفى بالكوفة- أو بالسماوة- سنة 127 ه، و أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة 154 ه، و حمزة بن حبيب الزيات (المتوفى بحلوان سنة 156 ه، و نافع بن عبد الرحمن المتوفى سنة 169 ه، و الكسائي المتوفى سنة 189 ه.( تلخيص البيان في مجازات القرآن، مقدمه کتاب، ص: 4٢)
او در ادامه به بیان چند مثال قرآنی میپردازد که در ادامه به آنها اشاره خواهیم کرد.
کتاب تفسیری ایشان نیز «حقائق التأویل» است که متأسفانه تنها یک جلد آن(جلد پنجم کتاب) در دست ماست[2]. در این کتاب نیز عنایت سید به قرائات مختلف، کاملاً روشن و آشکار است.
ایشان گاهی در نقل آیات قرآن کریم،قرائتی غیر از قرائت رایج حفص از عاصم را نقل میکند:
الف) آیه ٩ سوره بقره(یخادعون الله و الذین آمنوا و ما یخادعون[ در قرائت حفص: یخدعون] الا انفسهم)( تلخيص البيان في مجازات القرآن،ص 114)
وب) آیه ٣٣ سوره نساء(و الذین عاقدت[در قرائت رایج: عقدت] ایمانکم)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 127)
وج) آیه ٩۶ سوره انعام(فالق الاصباح و جاعل [در قرائت حفص: جعل] اللیل سکناً)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 138) مشاهده نمود.
قلوبنا غُلْف/ غُلُف(سورة البقرة/٨٨)( تلخيص البيان في مجازات القرآن ، ص116)
الی الله تُرجع/ تَرجع الامور(البقرة/١٠٩).( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 124)
فان قاتلوکم/ قتلوکم فاقتلوهم(البقرة/ ١٩١)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5 ، ص 268)
ترونهم/ یرونهم مثلیهم رأی العین(آل عمران/ ١٣)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 35-36)
الا ان تتقوا منهم تقاةَ/ تقیةً(آل عمران/ ٢٨)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص ٧)
و الله اعلم بما وضعَتْ/ وضعتُ(آل عمران/ ٣۶)(حقائق التاویل، ج ١، ص ٨٧-٨٩)
میثاق النبیّین لَما آتیتکم/ لِما آتیتکم(آل عمران/ ٨١)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 145-146)
لما آتیتُکم/ لما آتیناکم ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص146)
من الملائکه مسوِّمین/ مسوَّمین(آل عمران/١٢۵)(تلخيص البيان في مجازات القرآن ، ص 164)
لا یحسبن/ تحسبنّ الذین کفروا اَنما/اِنما نملی لهم(آل عمران/ ١٧٨)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٢٨٧-٢٨٩)
لو تُسوّی/تَسّوی/تَسَوّی بهم الارض(النساء /۴٢)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 335-٣٣٧)
و امسحوا برؤوسکم و ارجلَکم/ و ارجلِکم(المائدة/ ۶)(تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص: 280-٢٨١)
بما عاقدتم/ عقدتم/ عقّدتم الایمان(المائدة/٨٩) ( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص134)
لقد تقطّع بینَکم/ بینُکم( الانعام /٩۴)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 139)
خرقوا/ خرّقوا له بنین و بنات(الانعام/ ١٠٠)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص: 139)
لباساً یواری سوءاتکم و ریشاً/ و ریاشاً(الاعراف/ ٢۶)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص:١۴٣-144)
فاجمعوا/ فأجمِعوا امرکم و شرکاءکم(یونس/ ٧١)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 156)
لِتزولَ منه الجبال/ لَتزولُ منه الجبال(سورة الرعد/ ۴۶)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص ١٨۵)
تغرب فی عین حمئة/ حامئة (الکهف/ ٨۶)(حقائق التاویل فی متشابه التنزیل، النص، ج ١، ص: ١١)
جعل فیها سراجاً/ سُرُجاً(الفرقان/۶١)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 254)
اذا فزّع/ فرغ عن قلوبهم(سبأ/ ٢٣)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 2۶۶)
من فَواق/ من فُواق(ص/١۵)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص: 278)
فسبّحه و اَدبار النجوم/ اِدبار النجوم(الطور/ ۴٩)(تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص:٣١۵-316)
یریدون ان یبدّلوا کلم الله/ کلام الله(الفتح/ ١۵)( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ، ج5، ص 99)
سنفرغ/ سیفرغ لکم(الرحمن/ ٣١)(تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص324)
و لا تُمسکوا/ تمسّکوا بعصم الکوافر(الممتحنة/ ١٠)( تلخيص البيان في مجازات القرآن، 332)
توبه نَصوحا/ نُصوحاً(التحریم/ ٨)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:١۵٨-159 و تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص ٣٣٧)
میثاق النبیین/ میثاق الذین اوتوا الکتاب(آل عمران/ ٨١)
ومما يشهد بذلك أنها في قراءة ابن مسعود: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)، ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص: 40)
فیه آیات بینات/ آیه بینه(آل عمران/ ٩٧)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 179)
و نادوا یا مالک/ یا مال(الزخرف/ ٧٧)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٣٣١-332)
لهدمت صوامع و بیع و صلوات/ و صلوتا (الحج/ ۴٢)(حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٣٣٨-339)
در ادامه به تفصیل به بررسی مستندات مطالب گفته شده خواهیم پرداخت.
اساتذته
إن السيرة تنص على مكانة للشريف في العلم و الفضل فتهمل تفصيل تلك المكانة و درجتها، كما تهمل ذكر المشايخ الذين أخذ العلم عنهم إلا الشاذ النادر، و نحن إذا تحققنا حال أولئك الأساتذة في تكثرهم و تفوقهم، برهن ذلك لنا على مبادئ تحصيله، و على الجد و الذكاء نعتمد فيما انتهى إليه تحصيله. و إذا كانت السيرة أغفلت ذكر أساتذته فان كتبه الفذة تنبؤنا عن كثير منهم: ينبؤنا كتابه «المجازات النبوية» أنه قرأ على قاضي القضاة ابى الحسن (عبد الجبار بن احمد) الشافعي المعتزلي كتابه المعروف ب «شرح الأصول الخمسة»، و لعله «المغني»، و كتابه الموسوم ب «العمدة» في أصول الفقه؛ و على (أبى بكر محمد ابن موسى الخوارزمي) أبوابا في الفقه؛ و على (أبي عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني) في الحديث؛ و على (ابى الحسن علي بن عيسى الربعي) و على (ابي حفص عمر بن إبراهيم الكناني) صاحب ابن مجاهد القراءات السبع بروايات كثيرة[3]
فأمّا قول اللّه سبحانه و تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ فقد فسّر أيضا على وجهين أوردناهما في مواضع من كلامنا في تأويل القرآن
فأحد الوجهين: أن يكون سبحانه ذكر الأعناق، ثمّ ردّ الذكر على أصحاب الأعناق؛ لأنّ خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها لمّا لم يكن خضوعهم إلّا بها.
و الوجه الآخر: أن يكون أراد الجماعات؛ لأنّه قد تسمّى الجماعة «عنقا» على الوجه الذي قدّمنا ذكره، يقول القائل: «جاءني عنق من الناس» أي جماعة، فيكون خاضِعِينَ صفة للجماعات، و المعنى في ذلك ظاهر غير محتاج إلى التأويل.
و قد يجوز أن يكون «الأعناق» هاهنا كناية عن السادات و المتقدّمين من القوم، يقال: «هؤلاء أعناق القوم» أي ساداتهم، كما يقال: «هؤلاء رؤوسهم و عرانينهم» ذكر ذلك صاحب «العين» في كتابه
و قال لي أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني- صاحب ابن مجاهد، و قد قرأت عليه القرآن بروايات كثيرة-: «سمعت أبا بكر بن سفيان النحوي صاحب المبرّد يقول: أولى الوجوه بتأويل هذه الآية أن يكون خاضِعِينَ مردودا على الضمير في أَعْناقُهُمْ فكأنّه تعالى قال: فظلّوا هم لها خاضعين»
و يبعد أن يحمل قوله عليه الصلاة و السلام في هذا الخبر: «عنق يقطعها اللّه» على أنّه أراد به الجماعة؛ لأنّ قوله «يقطعها اللّه» بالعنق المعروفة- التي هي العضو المخصوص- أشبه، و في موضع الكلام أحسن. و إنّما جاء ب «العنق» هاهنا على طريق الاستعارة؛ تشبيها للقوم الذين ذكر اتباعهم له بالعنق في الاحتشاد لطلبه، و الامتداد لللّحاق به[4].
يلاحظ المتأمل عند أدنى نظر إلى هذا الكتاب أن الشريف الرضى يورد كثيرا من الآيات على قراءات غير القراءة فى المصحف الذي بين أيدينا. و هى قراءات صحيحة غير شاذة، لأنها للأئمة السبعة المروية قراءاتهم بالتواتر، و هم ابن عامر المتوفى بدمشق سنة 118 ه، و ابن كثير المتوفى بمكة سنة 120 ه، و عاصم بن أبى النّجود المتوفى بالكوفة- أو بالسماوة- سنة 127 ه، و أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة 154 ه، و حمزة بن حبيب الزيات (المتوفى بحلوان سنة 156 ه، و نافع بن عبد الرحمن المتوفى سنة 169 ه، و الكسائي المتوفى سنة 189 ه.
ففي سورة البقرة نجد هذه الآية: يخادعون اللّه و الّذين آمنوا و ما يخادعون إلّا أنفسهم و قراءة حمزة و الكسائي و عاصم و ابن عامر: وَ ما يَخْدَعُونَ.
و فى سورة النساء نجد هذه الآية: و الّذين عاقدت أيمانكم بفعل المفاعلة و هى قراءة.
و فى سورة الأنعام نجد هذه الآية: فالق الإصباح و جاعل اللّيل سكنا أي أن جاعل بصيغة فاعل، و هى قراءة رويس عن يعقوب، و بها يقرأ أهل المدينة، أما قراءة حمزة و الكسائي و الحسن و عيسى بن عمر فهى فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً و هى القراءة التي نقرؤها نحن.
و فى سورة الأعراف ذكر الشريف الرضى قراءة «و رياشا» مع قراءة «و ريشا» فى قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ.
و فى سورة يونس نجد قراءة «فاجمعوا أمركم» من الجمع، بدلا من «فأجمعوا أمركم» من الإجماع. و الأولى هى قراءة عاصم الجحدري، و هو غير عاصم بن أبى النجود، و قد روى عنه عيسى الثقفي من أصحاب القراءات الشاذة.
و فى سورة هود يروى الشريف الرضى قوله تعالى: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ بكسر الواو المشددة، و مسوّمين بفتحها، و الكسر هو قراءة أبى عمرو و عاصم و ابن كثير، و الفتح هو قراءة بقية السبعة.
و فى سورة التحريم ذكر المصنف رضى اللّه عنه قراءة «نصوحا» مع قراءة «نصوحا» بضم النون فى القراءة الأولى و فتحها فى الثانية فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً و الضم هو قراءة أبى بكر بن عياش قرأها عن عاصم بن أبى النجود.
و قس على ذلك كثيرا من الآيات التي أوردها الشريف الرضى على بعض القراءات السبعة الصحيحة. و قلّ أن نراه يلجأ إلى قراءة شاذة كما صنع فى قراءة «فاجمعوا أمركم» التي أشرنا إليها سابقا.
و لا شك أن هذه القراءات التي روى بها الشريف الرضى فى كتابه هذا تجعل منه مرجعا لمن يطلبون معرفة القراءات، و تصنيف إلى قيمة الكتاب قيمة جديدة يهتم بها طلاب القراءات[5].
فصل (الراسخون فی العلم و علمهم بتأویل الکتاب)
فامّا قوله تعالی فی ذیل هذه الآیة: «وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما یَذَّکَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» فبین العلماء فیه اختلاف:
فمنهم من جعل الوقف عند اسم اللّه تعالی، و استأنف قوله سبحانه: «وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ»، فمن ذهب الی هذا الذهب منهم یخرج العلماء عن أن یعلموا کنه التأویل و حقیقته، و یطّلعوا طلعه و یستنبطوا غوامضه، و یستخرجوا کوامنه، و حطهم بذلک عن رتبة قد استحقوا الایفاء علیها و اطّلاع شرفها ، لأن اللّه سبحانه قد أعطاهم من نهج السبیل و ضیاء الدلیل ما یفتتحون به المبهم و یصدعون المظلم ، و کل ذلک بتوفیق اللّه إیّاهم و نصب منار الأدلة لهم، فعلمهم بذلک مستمد من علم اللّه سبحانه، فلا معنی للوقوف بهم دون هذه المنزلة، و الاحجام عن إیصالهم الی أقصی هذه الرتبة.
و أمّا الذین یجعلون الوقف عند قوله تعالی: «وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»، فیوفّون الاستثناء حقه بادخال العلماء فیه، و یجعلون لهم مزیّة العلم بتأویل القرآن، و معرفة مداخله و مخارجه، و سلوک محاجّه و مناهجه. و هذا القول مرویّ عن ابن عباس [ره] و مجاهد و الربیع فأمّا المحققون من العلماء فیقفون فی ذلک علی منزلة وسطی و طریقة مثلی، فلا یخرجون العلماء ههنا عن أن یعلموا شیئا من تأویل القرآن جملة، و لا یعطونهم منزلة العلم بجمیعه، و الاستیلاء علی قلیله و کثیره.
بل یقولون: إن فی التأویل ما یعلمه العلماء، و فیه ما لا یعلمه إلّا اللّه تعالی: من نحو تعیین الصغیرة و وقت الساعة و ما بیننا و بینها من المدة و مقادیر الجزاء علی الأعمال و ما أشبه ذلک.
و هذا قول جماعة من متقدمی العلماء: منهم الحسن البصری و غیره و الیه ذهب ابو علیّ الجّبائی ، لأنه یجعل المراد بالتأویل فی هذه الآیة مصائر الأمور و عواقبها، [کقوله] تعالی: «هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِیلَهُ یَوْمَ یَأْتِی تَأْوِیلُهُ» ، أی: مصیره و عاقبته، لأن أصل التأویل من قولهم: آل یئول، اذا رجع. و ممّا یؤکّد ذلک أن مجاهدا قال فی قوله تعالی: «ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلًا» : «إنه سبحانه أراد بالتأویل ههنا: الجزاء علی الأعمال»؛ فهذا المعنی یلامح ما نحن فی ذکره، لأن الجزاء إنما هو الشیء الذی آلوا الیه و حصلوا علیه.
و قد قیل أیضا: «إن المراد و ما یعلم تأویله علی التفصیل إلا اللّه تعالی أو لا یعلم تأویله بعینه إلا اللّه، لأن کثیرا من المتشابه یحتمل الوجوه الکثیرة، و کلها غیر خارج عن أدلة العقول، فیذکر المتأولون جمیعها، و لا [یقع] القطع منهم علی مراد اللّه تعالی بعینه منها، و لا یعلم ذلک إلّا اللّه، لأن الذی یلزم المکلف من ذلک أن یعلم فی الجملة أنه سبحانه لم یرد ما یخالف أدلة العقول، و لأنه لیس من تکلیفنا أن نعلم [أنّ] المراد من ذلک بعینه، و إن کان العلماء یعلمونه علی الجملة و علی الوجه الذی یمکن أن یعلم علیه».
و [فی] قول الراسخین فی العلم: «آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» دلالة علی استسلامهم فی ما لم یعلموا من تأویل المتشابه، و ما استبدّ اللّه بعلمه من قبیل ما ذکرنا: کوقت القیامة و تمییز الصغائر من الکبائر، الی ما أشبه ذلک، فقد بان أنّ فی تأویل المتشابه ما لا یعلمونه، و إن کان یعلمون کثیرا منه.
جواز استعمال لفظ در اکثر از معنای واحد
و قال قاضی القضاة أبو الحسن – بعد ذکره طرفا من الخلاف فی هذه الآیة-: [و ما یقوله من حمل العطف علی حقیقته و جعل للعلماء نصیبا من علم التأویل علی تفصیله أو جملته، إمّا أن یکون المراد بذلک عنده و ما یعلم تأویله إلا اللّه و إلا الراسخون فی العلم و مع علمهم بتأویله «یقولون آمنا به»، أو یکون المراد أنهم یعلمون تأویله فی حال قولهم: «آمنا به کل من عند ربنا»، و من قال بذلک استدل بظاهر العطف، و أنه یقتضی مشارکة الثانی للأول فی ما وصف به الأول و أخبر به عنه]. و قال: [إذا أمکن ذلک و أمکن حمل قوله تعالی: «یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ» علی الحال أو علی خبر ثان وجب القول بذلک، ولکلا الوجهین مسرح فی طریق اللغة. و إنما ینبغی أن ننظر من جهة المعنی، فان ثبت بالدلیل صحة أحد المعنیین قضی به، و إلا لم یمتنع أن یرادا جمیعا إذا لم یقع بینهما تناف].
قلت أنا: و هذه طریقة لأبی علی فیما ورد من القراءات متغایرا فانه یقول: (إذا کان یمکن حمل الکلام علی القراءتین المختلفتین، فانهما جمیعا مرادتان، اذا صحّت القراءة بهما جمیعا؛
نظیر ذلک قوله سبحانه «وَجَدَها تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَةٍ» و قد قرئ حامیة).
فیقول: [إنه یجب أن تکون العین علی الصفتین معا، فتکون حمئة من الحمأة، و حامیة من الحمی، فتکون هناک حرارة و حمأة؛ و إلا کان یجب ألّا تجوز إحدی القراءتین، لأن من أصله أن کل کلام احتمل حقیقتین- و لم یکن هناک دلالة علی أن للراد به إحدی الحقیقتین دون الأخری- فواجب حمل الکلام علیهما جمیعا حتی یکونا مرادین بذلک، و متی لم یمکن حمل الکلام علیهما جمیعا، فلا بد من أن یبیّن اللّه تعالی مراده منهما بدلالة، و إلّا خرج من أن یکون فیه فائدة].
قرائت رضی ره بر شیوخ قرائت
فأمّا من قرأ حمئة من الحمأة، فانّی قرأت بذلک علی شیوخ [القراءة] لابن کثیر و نافع و ابی عمرو و حفص، عن عاصم، و أما من قرأ حامیة من الحمی، فانی قرأت به لحمزة و الکسائی و أبی بکر بن عیاش، عن عاصم و عبد اللّه بن عامر[6].
فصل (قراءة (وضعت) بضم التاء وسكونها) وقرأنا لعبد الله بن عامر ولابي بكر بن عياش، عن عاصم: (والله أعلم بما وضعت) بضم التاء، ولبقية السبعة بتسكينها، وقال لي شيخنا أبو الحسن علي بن عيسى النحوي صاحب ابي علي الفارسي
وهذا الشيخ كنت بدأت بقراءة النحو عليه قبل شيخنا ابي الفتح عثمان بن جني، فقرأت عليه مختصر الجرمي، وقطعة من كتاب الايضاح لابي علي الفارسي ومقدمة أملاها علي كالمدخل إلى النحو، وقرأت عليه أيضا العروض لابي إسحاق الزجاج، والقوافي لابي الحسن الاخفش، وهو ممن لزم أبا علي السنين الطويلة، واستكثر منه وعلت في النحو طبقته، وقال لي: بدأت بقراءة مختصر الجرمي على أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي رحمه الله في سنة أربع وأربعين وثلثمائة، ثم انتقلت إلى أبي علي). قال: كان أبو علي يقول: قراءة من قرأ بتسكين التاء أجود، لانها قد قالت (رب اني وضعتها انثى)، فليس يحتاج بعد هذا القول أن تقول: والله أعلم بما وضعت). ووجه قراءة من قرأ بضم التاء: أن ذلك كما يقول القائل في الشئ: رب قد كان كذا وكذا – وأنت أعلم -، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنه من قبيل التعظيم والخضوع والاستسلام والبخوع وكقول القائل: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وكقول الرجل لرب نعمته أنا غرس نعمتك ورقيق نعمتك. قال: ومما يقوي قول من أسكن التاء قوله سبحانه: (والله أعلم بما وضعت)، ولو كان من صلة قول أم مريم (ع) لكانت تقول: وأنت أعلم بما وضعت، لانها تخاطب الله سبحانه
قلت أنا: وهذا القول غير سديد، لانه لا يمتنع أن يكون ذلك من قول أم مريم، وتقول مع ذلك: (والله أعلم بما وضعت) على مجرى العادة في خطاب المعظم من العدول معه من كاف المواجهة إلى هاء الكناية، وفي القرآن مثل ذلك كثير في خطاب الله تعالى وخطاب غيره: من خروج عن كناية إلى مواجهة ومن مواجهة إلى كناية، ألا ترى إلى قوله سبحانه: (الحمد لله رب العالمين) ثم: (إياك نعبد وإياك نستعين)، والى قوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) إلى غير ذلك مما في معناه، فأما من قرأ: (والله أعلم بما وضعت) بضم التاء، فمعناه – والله أعلم – أنها لما قلت: (رب إني وضعتها أنثى) لم تأمن أن يظن بها أنها مخبرة فبينت بقولها: (والله أعلم بما وضعت) أنها إنما أرادت بقولها: (رب إني وضعتها أنثى) إظهار ما لحقها من الخوف، إذ أدخلت في النذر من ليس أهله، ولا يقوم بشرائطه، فجزعت من ألا يقبل نذرها، ولا تتم قربتها، وما أوردناه في ذلك كاف بتوفيق الله[7].
ثم قال سبحانه عقيب ذلك: [ قد كان لكم آية في فئتين.. الآية ]، والمراد بذلك التخويف لهم من فل شوكتهم على حدتها، وتوهين عدتهم على كثرتها، فضرب تعالى لهم المثل بالفئتين الملتقيتين يوم بدر، وهم يرون آحداهما أضعاف الاخرى، فنصر الله القليلة المؤمنة، حتى اجتاحت الكثيرة الكافرة ]. وهذا المعنى يكون على قراءة من قرأ ترونهم مثليهم بالتاء المعجمة من فوقها، كأنه قال: ترون أيها اليهود – الذين الخطاب معهم – إحدى الفئتين [ وهي المؤمنة ] مثلي الفئة الاخرى (وهي الكافرة)، وقد يجوز أن يكون الخطاب أيضا لليهود على قراءة من قرأ يرونهم بالياء المعجمة من تحتها، لان للعرب مذهبا في خطاب الحاضر، ثم الانتقال عنه إلى خطاب الغائب، وعلى ذلك قوله سبحانه: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة…)، وعكس ايضا مثله وهو الابتداء بخطاب الغائب، ثم الانتقال عنه إلى خطاب الحاضر، وعلى ذلك قوله تعالى: (وسقاهم ربهم شرابا طهورا. إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) فأما من قرأ ترونهم بالتاء المعجمة من فوقها، فهي القراءة التي قرأنا بها لنافع بن أبي نعيم المدني، وقرأنا للباقين من السبعة يرونهم بالياء معجمة من تحتها[8].
فصل قراءة (لما آتيتكم) وقد اختلف القراء في قراءة: (لما آتيتكم من كتاب وحكمة)، فقرأنا لحمزة بن حبيب (لما) مكسورة، لانها لام الاضافة، وقرأنا لباقي القراء السبعة (لما) مفتوحة، لانها لام الابتداء، وروى هبيرة عن حفص عن عاصم (لما) مكسورة مثل حمزة، وقال (ابن) مجاهد في كتاب (القراءات) السبعة: (وذلك غير محفوظ عن حفص)[9]
فأما قوله تعالى: (آتيتكم من كتاب وحكمة)، فقرأ نافع وحده (آتيناكم) على خطاب التعظيم، وقرأ باقي السبعة (لما آتيتكم) على التوحيد ووجه قراءة حمزة (لما) بالكسر: أنه يتعلق بالاخذ، وكأن المعنى أخذ ميثاقهم لهذا الامر، لان الذين يؤتون الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من ذلك، لانهم الاماثل والاعلام، والقادة والحكام[10].
و قد قيل في ذلك وجه آخر، و هو: أن يكون معنى «كتب عليهم القتل» أى: فرض عليهم قتل الكافرين، فيكون القتل واقعا منهم لا بهم، و المصادر- على ما ذكرناه في عدة مواضع من كتابنا هذا- يجوز اضافتها الى الفاعلين دفعة، و الى المفعولين مرة، و إنما يتخصص باحدى الجهتين عند ما ينضاف اليها من القرائن، و يتصل بها من الدلائل؛ و قد يجوز أن يكون القتل ههنا بمعنى القتال، فكأنه تعالى قال: «لبرز الذين كتب عليهم القتال»، و على ذلك قراءة من قرأ: (فان قتلوكم فاقتلوهم)[11]، و المراد: فان قاتلوكم فاقتلوهم، على بعض التأويلات.[12]
فأما اختلاف القراء في قراءة هذا الحرف، فان ابن كثير و عاصما و ابا عمرو قرأوا (تسوى) مضمومة التاء خفيفة السين، و قرأ نافع و ابن عامر (تسوى) مفتوحة التاء مشددة السين، و قرأ حمزة و الكسائي (تسوى) مفتوحة التاء مخففة السين و الواو ممالة مشددة. فمن قرأ (تسوى) أراد تفعل من التسوية، و المعنى- كما قلنا اولا- أنهم تمنوا لو يجعلون و الارض سواء؛ و من هذا قوله تعالى: «بلى قادرين على أن نسوي بنانه»على احد التأويلين، اي: نجعلها صفحة واحدة لا ينفصل بعضها عن بعض كخف البعير، فتعجز لذلك عما يستعان عليه بالبنان من مباشرة الأعمال اللطاف: كالكتابة و النساجة و البناء و الصياغة و نحو ذلك؛ و من اقسام العرب المذكورة عنهم: «و الذي شقهن خمسا من واحدة» يعنون البنان من الكف.
و من قرأ (لو تسوى) بتشديد السين، فانما أراد لو تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، و ذلك مطاوع لو تسوى لأنك تقول:
سويته فتسوى. و لا ينبغي أن نكره اجتماع التشديدين ههنا لأنه قد جاء في القرآن مثله، و ذلك قوله تعالى: «اطيرنا بك و بمن معك» و قوله: «لعلهم يذكرون»*و نحو ذلك.
و في هذا الوجه ضرب من الاتساع، لان الفعل فيه قد اسند الى الارض، و ليس المراد انهم تمنوا لو تصير الارض مثلهم فتسوي بهم، و إنما تمنوا أن يصيروا مثلها فيستووا بها، و جازذلك، لامان الالتباس و ارتفاع الايهام، كقولهم: ادخل فوه الحجر، و إنما المراد دخل الحجر فاه، و لكن قالوا ذلك لزوال الالتباس.
و أما من قرأ (لو تسوى) خفيفة السين، فان معناه معنى الاول، و إنما حذف التاء التي ادغمها من قرأ لو تسوى بتشديد السين، لانها لما اعتلت بالادغام سهل حذفها. و في ما ذكرناه من الكلام على هذه المسألة بلاغ و كفاية بتوفيق الله تعالى.[13]
و على ذلك قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا»، و قرأ ابو بكر بن عياش منفردا عن سائر القراء (عن)عاصم نصوحا بضم النون، و معناه، توبة تنصحون فيها نصوحا، و هو مصدر نصح؛ و من قرأ نصوحا بفتح النون، فانما أراد به صفة التوبة: و معناه: توبة مبالغة في النصح لأنفسكم، و فعول: من أسماء الفاعلين يستعمل للمبالغة في الوصف، يقال: رجل شكور و صبور، و سيف قطوع، و جمل حمول؛ فاذا كان نصوحا صفة للتوبة- و المراد به المبالغة على ما قلنا- علمنا أن هناك توبة قد تقع على غير هذه الصفة، و يشملهما جميعا اسم التوبة، حتى يصح أن يوصف احداهما بالمبالغة، و إلا لم يكن لزيادة هذه الصفة معنى؛ فبان أن التوبة قد تقع على وجوه فتكون مقبولة، و قد تقع على خلاف تلك الوجوه فتكون غير مقبولة؛ و هذا يوضح الغرض الذي رمينا اليه.[14]
و قال بعضهم: النصوح: هى التوبة التي يناصح الإنسان فيها نفسه، و يبذل مجهوده فى إخلاص الندم، و العزم على ترك معاودة الذنب. و قرأ أبو بكر بن عياش عن عاصم: نصوحا بضم النون. على المصدر. و قرأ بقية السبعة نصوحا بفتح النون على صفة التوبة.[15]
16- و قال بعضهم: هذا الكلام على التقديم و التأخير، و المعنى:و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا اثما انما نملي لهم خير لأنفسهم و ذلك كقوله تعالى: «اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم»«تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون»و المراد: فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم، و كقوله تعالى: «و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء و ما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين»و المراد: و لا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم، فأخر «فتكون» و هو مقدم في المعنى، و قدم (فتطرد) باللفظ و هو مؤخر في المعنى.
و قد ذكر هذا الوجه ابو جعفر الاسكافي من المتكلمين، و ابو الحسن الأخفش من النحويين. و هذا القول لا يسوغ على قراءة من قرأ: «و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم» بفتح الهمزة، لأن التقدم و التأخر لا يغير الكلام عما هو عليه فيما يستحقه الاعراب و البناء، كما أنك اذا قلت: ضرب زيد عمرا، و كان زيد فاعلا كان مرفوعا في التقديم و التأخير، و كان المفعول منصوبا كذلك، فلم يكن للتقديم و التأخير تأثير فيما يجب من الاعراب للفاعل و المفعول، فلو كان الأمر ههنا على ما ذكر من التقديم و التأخير، لوجب أن تكون القراءة بفتح الهمزة في انما الثانية و كسرها في انما الأولى، لأن وقوع فعل لا يحسبن على الثانية ههنا، فكأنه تعالى قال: ( «لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما- بفتح الهمزة- «أنما نملي لهم خير لأنفسهم»- بكسرها-»)، و كان يجب ايضا أن يكون خير ههنا منصوبا مع كسرهم إنما، فلما لم يجز في قراءة احد فتح الهمزة في انما الأخيرة، و لم يقرأها قارئ إلا بالكسر علم أن فعل يحسبن لم يقع عليها و أنها مبتدأة، فلذلك لم نجز فيها غير الكسر.
فأما انما الأولى فقد قرئت بالفتح و الكسر معا، فمن قرأ (لا تحسبن) بالتاء- على اختلافهم في فتح السين و الباء من تحسبن و كسرهما و ليس هذا موضع استقصاء ذلك- و هي قراءة نافع و ابن عامر و حمزة من السبعة، كان قوله تعالى: «الذين كفروا» على هذه القراءة في موضع نصب، فانه المفعول الأول، و المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى؛ فلا يجوز إذن فتح ان من قوله «أنما نملي لهم»، لأن املاءهم لا يكون اياهم. و من قرأ (يحسبن) بالياء، و هي قراءة باقي السبعة، فلا يجوز في قراءته كسر (ان) من قوله «أنما نملي لهم خير لأنفسهم»، و قد جاء شاذا، و حكاه عن (ابي) مجاهد؛ و وجه ذلك أن إن يتلقى بها القسم كما يتلقى بلام الابتداء، و تدخل كل واحد منهما على المبتدأ و الخبر، فكسرتإن بعد يحسبن، و علق عنها الحسبان، كما يفعل ذلك مع اللام، فقال تعالى: «لا يحسبن الذين كفروا أنما» بالكسر، كما يقال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم.
و قال الزجاج: ذلك جائز على قبحه؛ و وجه جوازه أن الحسبان ليس بفعل حقيقي، فعمله يبطل مع إن، كما يبطل مع اللام، تقول: حسبت لعبد الله منطلق، و لذلك قد يجوز- على بعد- حسبت إن عبد الله منطلق.
و قال الفراء: من قرأ (لا تحسبن) بالتاء و فتح الهمزة من «أنما نملي لهم»، فانه أراد التكرير، فكأنه قال: و لا تحسبنهم، لا تحسبن أنما نملي لهم خير لانفسهم، و ذلك كقوله تعالى: «هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة»، على التكرير، و كأنه تعالى قال: ( «فهل ينظرونإلا الساعة هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة»[16].)
و مثل ذلك قوله سبحانه في السورة التي يذكر فيها الفتح: «يريدون أن يبدلوا كلام الله» 15)- و (كلم الله)، على اختلاف القراءتين- أى: أوامر الله و فرائضه؛ و الكلم: جمع كلمة، و هي قراءة حمزة و الكسائى، و باقي القراء السبعة يقرءون: «كلام الله»؛[17]
ثم استثنى تعالى حال التقية، فقال: «إلا أن تتقوا منهم تقاة»، و قرئ: (تقية)، و كلاهما يرجعان الى معنى واحد؛ فكأنه سبحانه أباح في هذه الحال عند الخوف منهم إظهار موالاتهم و مما يلتهم قولا باللسان، لا عقدا بالجنان.[18]
و قد مكروا مكرهم و عند الله مكرهم و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)
و قوله سبحانه: و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال [46]. و هذه استعارة على إحدى القراءتين. و هما: لتزول. بكسر اللام الأولى و فتح اللام الأخرى. و لتزول.
بفتح اللام الأولى و ضم الأخرى. و قرأنا بهذه القراءة للكسائى وحده، و قرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.
فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع «أن» فيها موضع نعم، لأنها قد تردبهذا المعنى مثقلة: كقوله: (إن و راكبها[19])
و قرأنا حمزة و الكسائي: سيفرغ لكم، بالياء و فتحها، و قرأنا سنفرغ لكم بالنون كقراءة السبعة.[20]
و قالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88)
و قوله تعالى: و قالوا قلوبنا غلف [88]. و هذه استعارة على التأويلين جميعا.
إما أن تكون غلف جمع أغلف، مثل أحمر و حمر، يقال سيف أغلف. أو تكون جمع غلاف، مثل حمار و حمر، و تخفف[21] فيقال حمر. و كذلك يجمع غلاف، فيقال غلف و غلف بالتثقيل و التخفيف. قال أبو عبيدة: كل شىء فى غلاف فهو أغلف، يقال: سيف أغلف، و قوس غلفاء، و رجل أغلف: إذا لم يختتن. فمن قرأ غلف، على جمع أغلف، فالمعنى أن المشركين قالوا: قلوبنا فى أغطية عما يقوله، يريدون النبي عليه السلام. و نظير ذلك قوله سبحانه حاكيا عنهم:
و قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، و في آذاننا وقر [5] الآية و من قرأ: قلوبنا غلف على جمع غلاف بالتثقيل و التخفيف، فمعنى ذلك: قالوا قلوبنا فى أوعية فارغة لا شىء فيها. فلا تكثر علينا من قولك، فإنا لا نعى منه شيئا. فكان قولهم هذا على طريق الاستعفاء من كلامه، و الاحتجاز عن دعائه.[22]
و قوله سبحانه: و إلى الله ترجع الأمور [109] على قراءة من قرأ بفتح التاء و كسر الجيم. و هذه استعارة. و المراد بها أن الأشياء كلها تنتهى إلى أن تزول عنها أيدى المالكين و المدبرين، و يخلص ملكها و تدبيرها لرب العالمين.[23]
و قوله تعالى: و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان [89]. على قراءة من قرأ عقدتم، و عقدتم بالتخفيف و التشديد، دون من قرأ عاقدتم. فهذه استعارة. و المراد بها تأكيد الأيمان حتى تكون بمنزلة العقد المؤكد و الحبل المحصد. أو يكون المراد أنكم عقدتموها على شىء خلافا لليمين اللغو التي ليست معقودة على شىء، لأن الفقهاء يسمون اليمين التي على المستقبل يمينا معقودة، فهى التي يتأتى فيها البر و الحنث، و تجب فيها الكفارة. و اليمين على الماضي عندهم ضربان: لغو، و غموس.[24]
و قوله تعالى: لقد تقطع بينكم [94] على قراءة من قرأ برفع النون من بينكم. و هذه استعارة. لأنه لا فصائلهناك على الحقيقة فتوصف بالتقطع، و إنما المراد: لقد زال ما كان بينكم من شبكة المودة و علاقة الألفة، التي تشبه لاستحكامها بالحبال المحصدة، و القرائن المؤكدة.[25]
و قوله سبحانه: و خرقوا له بنين و بنات بغير علم [100] فى قراءة من قرأ: و خرقوا بالتخفيف، و فى قراءة من قرأ خرقوا بالتثقيل. فهذه استعارة. و المراد أنهم دعوا له سبحانه بنين و بنات بغير علم، و ذلك مأخوذ من «الخرق» و هى الأرض الواسعة، و جمعها خروق، لأن الريح تتخرق فيها، أي تتسع. و الخرق من الرجال: الكثير العطاء، فكأنه يتخرق. و الخرقة: جماعة الجراد مثل الحرقة، و الخريق: الريح الشديد الهبوب.[26]
و قوله: فأجمعوا أمركم و شركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة [71]. على قراءة من قرا: فأجمعوا من الجمع، لا على قراءة من قرأ:فأجمعوا من الإجماع. و هذه استعارة. و المعنى: اشتوروا فى أمركم، و أجمعوا له بالكم، و بالغوا فى قدح الرأى بينكم، حتى لا يكون أمركم غمة عليكم أي مغطى تغطية حيرة، و مبهما إبهام جهالة، فيكون عليكم كالغمة العمياء، و الطخية الظلماء.[27]
و قوله سبحانه: تبارك الذي جعل في السماء بروجا، و جعل فيها سراجا و قمرا منيرا [61] و قد قرئ: سرجا، على الجمع. و هى قراءة حمزة و الكسائى من السبعة.
و الباقون يقرءون: سراجا على التوحيد.
فمن قرأ «سرجا» أراد النجوم، و من قرأ «سراجا» أراد الشمس، و يقوى ذلك قوله سبحانه فى موضع آخر: و جعل الشمس سراجا. و يقوى قراءة من قرأ «سرجا» أن النجوم من شعائر الليل، و السرج بأحوال الليل أشبه منها بأحوال النهار.[28]
و لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق و هو العلي الكبير (23)
قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا، قال ربكم [23] الآية و هذه استعارة، على قراءة من قرأ: فزع بالزاي و العين، و فرع بالراء و العين.
فالمراد بقراءة من قرأ: فزع بالعين غير معجمة، أي أزيل الفزع عن قلوبهم. كما تقول: قذيت عينه. إذا أزلت القذى عنها. و هو كقولهم: رغب عنه. إذا رفعت الرغبة عنه. خلافا لقولهم: رغب فيه، إذا صرفت الرغبة إليه. فالرغبة فى أحد الأمرين منقطعة، و فى الآخر منصرفة. و المراد بقراءة من قرأ: فرغ بالغين معجمة، قريب من المراد بقراءة الأولى. كأنه سبحانه قال: حتى إذا أخرج ما كان فى قلوبهم من الخوف و الوجل ففرغت منها.
و إنما قال: عن قلوبهم. لأنه سبحانه أقام ذلك مقام التفريج عن قلوبهم. فكما حسن أن يقال: فرج عن قلبه، فكذلك حسن أن يقال: فرغ عن قلبه.[29]
و قوله سبحانه: و ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [15].
و قرئ: من فواق[30] بالضم. و قد قيل إنهما لغتان، و ذلك قول الكسائي.
و قال أبو عبيدة: من فتح أراد مالها من راحة، و من ضم أراد مالها فى إهلاكهم من مهلة بمقدار فواق الناقة، و هى الوقفة التي بين الحلبتين. و الموضع الذي يحقق الكلام بالاستعارة على قراءة من قرأ من فواق بالفتح، أن يكون سبحانه وصف تلك الصيحة بأنها لا إفاقة من سكرتها، و لا استراحة من كربتها، كما يفيق المريض من علته، و السكران من نشوته. و المراد أنه لا راحة للقوم منها. فجعل سبحانه الراحة لها على طريق المجاز و الاتساع. و مثله كثير فى الكلام.[31]
كناية عن الضرب بالسيف. و امتسح رأسه: إذا فعل به ذلك. و هذه الباء هاهنا للإلصاق. فكأنه تعالى قال: و ألصق السيف بسوقها و أعناقها. كما يقول القائل:
مسحت يدى بالمنديل. أي ألصقتها به. و على ذلك قول الشاعر
نمش بأعراف الجياد أكفنا إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
أي نلصق أيدينا بأعرافها، كما نلصقها بالمناديل التي تمسح بها الأيدى. و قد صرح بذلك الشاعر الآخرفقال:
أعرافهن لأيدينا مناديل
و الشاهد الأعظم على ذلك ما ورد فى التنزيل من قوله سبحانه: و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين على قراءة من قرأ: و أرجلكم حرا. أي ألصقوا المسح بهذه المواضع. و هذه الآية يستدل بها أهل العراق على أن استيعاب الرأس بالمسح ليس بواجب، خلافا لقول مالك. و قال لى الشيخ أبو بكر محمد
ابن موسىالخوارزمي- أدام الله توفيقه- عند بلوغي عليه فى القراءة من مختصر أبى جعفر الطحاوي إلى هذه المسألة: سألت أبا على الفارسي النحويو أبا الحسن على ابن عيسى الرماني: هل يقتضى ظاهر الآية إلصاق الفعل بجميع المحل أو بالبعض؟
فقالا جميعا: إذا ألصق الفعل ببعض المحل تناوله الاسم. قال: و هذا يدل على الاقتصار على مسح بعض الرأس كما يقوله أصحابنا.[32]
و من الليل فسبحه و إدبار النجوم (49)
و قوله سبحانه: و من الليل فسبحه و إدبار النجوم [49] و قرئ:[33] و إدبار النجوم بكسر الهمزة. و هذه استعارة على القراءتين جميعا.
فمن قرأ بفتح الهمزة كان معناه: و أعقاب النجوم. أي أواخرها إذا انصرفت.
كما يقال: جاء فلان فى أعقاب القوم. أي فى أواخرهم. و تلك صفة تخص الحيوان المتصرف الذي يوصف بالمجيء و الذهاب، و الإقبال و الإدبار. و لكنها استعملت فى النجوم على طريق الاتساع. فأما قراءة من قرأ: و إدبار النجوم بالكسر فمعناه قريب من المعنى الأول. فكأنه سبحانه وصفها بالإدبار بعد الإقبال. و المراد بذلك الأفول بعد الطلوع، و الهبوط بعد الصعود.[34]
و قوله سبحانه: و لا تمسكوا بعصم الكوافر [10] و قرأ أبو عمرو وحده تمسكوا بالتشديد، و قرأ بقية السبعة تمسكوا بالتخفيف. و هذه استعارة. و المراد بها: لا تقيموا على نكاح المشركات، و خلاط الكافرات، فكنى سبحانه عن العلائق التي بين النساء و الأزواج بالعصم، و هى هاهنا بمعنى الحبال، لأنها تصل بعضهم ببعض، و تربط بعضهم إلى بعض. و إنما سميت الحبال عصما، لأنها تعصم المتعلق بها و المستمسك بقوتها. و قال الشاعر:
و آخذ من كل حى عصم
أي حبالا. و هى بمعنى العهود فى هذا الشعر.[35]
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم و ريشا و لباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون (26)
و قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم و ريشا و لباس التقوى، ذلك خير [26]
و قد قرئ: و رياشا[36]. و هما جميعا استعارة هاهنا. لأن المراد بهما اللباس. و سمى اللباس ريشا و رياشا تشبيها بريش الطائر الذي يستر جملته. و من كلام العرب: أعطيته رجلا بريشه. أي بكسوته[37].
قال الله سبحانه: يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين[38] و قرئ[39] مسومين بفتح الواو[40]
و ربما جعل قوله سبحانه: يخادعون الله و الذين آمنوا[41] على أنه مستعار فى بعض الأقوال، و هو أن يكون المعنى أنهم يمنون أنفسهم ألا يعاقبوا، و قد علموا أنهم مستحقون للعقاب، فقد أقاموا أنفسهم بذلك مقام المخادعين. و لذلك قال سبحانه: و ما يخادعون[42] إلا أنفسهم و ما يشعرون [9].[43]
و لكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان و الأقربون و الذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا (33)
و قوله سبحانه: و الذين عاقدت[44] أيمانكم فآتوهم نصيبهم [33]. و هذه استعارة. و المراد بها- و الله أعلم- أن من عقدتم بينكم و بينه عقدا، فأدوا إليه ما يستحقه بذلك العقد عليكم. و إنما نسب المعاقدة إلى الأيمان على عادة العرب فى ذلك. يقول القائل: أعطانى فلان صفقة يمينه على كذا. و أخذت يد فلان مصافحة على كذا. و على هذا النحو أيضا إضافة الملك إلى الأيمان فى قوله تعالى: «و ما ملكت أيمانكم» لأن الإنسان فى الأغلب إنما يقبض من المال المستحق بيمينه، و يأخذ السلع المملوكة بيده.[45]
و قوله سبحانه: فالق الإصباح و جاعل الليل سكنا [96] و هذه استعارة.[46]
قال: (ومثل قوله تعالى: (ميثاق النبيين) – يريد: الذي اخذه النبيون على قومهم – قوله سبحانه: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق…) اي: الميثاق المأخوذ عليهم بالكتاب). … وقال بعضهم :قد يجوز أن يكون في قوله تعالى: (ميثاق النبيين) مضاف محذوف، كأنه تعالى قال: ميثاق اتباع النبيين أو امم النبيين فحذف اتباع وأقام النبيين مقامهم، كما قال تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل) أي: حب العجل. قال: ومما يشهد بذلك أنها في قراءة ابن مسعود: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)[47]
فان قال قائل: كيف قال سبحانه: «فيه آيات بينات»، ثم قال: «مقام إبراهيم»، و مقام ابراهيم بدل من آيات بينات، و هذا واحد و تلك جمع، و ينبغي أن يكون البدل على حد المبدل منه!.
قيل له: إن في ذلك اقوالا:
احدها، ما روي عن ابن عباس: أنه قرأ (فيه آية بينة مقام إبراهيم) فجعل البدل على حد المبدل، فسقط سؤال السائل على قراءة من قرأ ذلك.- 2- و إما رفع مقام ابراهيم بأن يكون على اضمار:[48]
و على ذكرنا قول الله سبحانه: «و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل»، فقد كان شيخنا ابو الفتح النحوي عمل في آخر عمره كتابا يشتمل على الاحتجاج بقراءة الشواذ، ناحيا به نحو ابي علي الفارسي في عمله كتاب الحجة، و هو الاحتجاج للقراء السبعة؛ فقال فيه محتجا لقراءة من قرأ في الزخرف: «و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك»- 77 بالترخيم، بعد ذكره وجوها في ذلك:
«يجوز أن يكون إنما ذكر ذلك على وجه الحكاية لكلام الكفار و هم في اطوار العذاب، لانهم لشدة آلامهم و إطباق العذاب عليهم قد ضعفت قواهم و خفيت أصواتهم و ضعفوا عن تتميم اسم مالك عند ندائهم له ضعف انفاس و خفوت أصوات، فحكى سبحانه قولهم ذلك على وجهه»
و كان يغلو به التغلغل في استنباط المعاني و التولج الى غامضاتها و الغوص على قراراتها، الى ان يورد مثل هذا الذي ربما خدش به فضله، الذي لا مغمز فيه و لا مطعن عليه؛ و مع ذلك فهو في هذا العلم السابق المسومو الاول المقدم و البحر الجمومو الدليل المأموم.
و قد كان بعض علماء الوقت خاوضني في ذلك، فقال في كلامه:«ترى شيخنا ابا الفتح لم يسمع قول الله سبحانه في صفة الكفار المعذبين في نار جهنم نعوذ بالله منها: «و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل»، و الاصطراخ ضد ما توهمه من خفوت اصواتهم و انقطاع انفاسهم، و من يمكنه رفع الصوت بالضجيج و الصراخ الشديد لا يمكنهأن يتمم اسما في الندا، حتى ينقص منه ضعفا و قصورا و ذبولا و خفوتا». فحكيت هذا القول لأبي الفتح فقال: «و ما ينكر من هذا؟ ألا تعلم أن اهل النار ينتهي بهم العذاب الى حد لا يبقى معه فضل في جسومهم و لا في نفوسهم حتى تبدل جلودهم و تعاد قواهم، ليتكرر العذاب عليهم، كما ذكر تعالى في كتابه فقال: «كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب» فما ينكر هذا المعترض من ان يكون ضعفهم عن تتميم الكلام فى حال ذهاب القوى و تلاشي النفوس، و اصطراخهم و ضجيجهم في حال اعادة القوى و تبديل الجلود (و هذه النفوس). و هذا لعمري قول!
اقول: و من شجون هذا الكلام ما روي عن ابى عبيدة انه سئل عن وجه هذه القراءة و هي قوله تعالى: «و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك» فقال: «إن اهل النار لفي شغل عن الترخيم». يؤمي بذلك الى ان الترخيم من اتساعات الكلام و مصارف اللسان، لا يكاد يستعمل إلا عند فراغ البال و طلب الانسان الاغراب في الخطاب. و بعد فليس هو بأس و لا اصل، و إنما هو نيف و فضل؛ فالخطاب الاعم الأكثر إنما يجب أن يكون بالأعرف الأظهر لا الاقل الأغمض[49].
2- و قال بعضهم: المراد بذلك لا تقربوا موضع الصلاة و أنتم بهذه الصفة، و موضع الصلاة المسجد، فحذف الموضع و أقام الصلاة مقامه، و مثل ذلك كثير في التنزيل و كلام العرب. و له ايضا وجه آخر، و هو أن الشيء قد يسمى باسم الشيء اذا كثرت مصاحبته له، فيكون تسمية المسجد صلاة، على هذا المعنى، لكثرة وقوع الصلاة فيه، ألا ترى الى قوله تعالى: «و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا» و عامة المفسرين ان الصلاة ههنا يعني بها مصليات اليهود، و سميت بذلك لكثرة صلاتهم فيها على الوجه الذي ذكرناه.
و إنما جعل ذلك خاصا لليهود من وجهين: أحدهما، أن ما يتفرد به المسلمون من مواضع الصلاة قد ذكر و هو المساجد، و ما يتفرد به النصارى قد عين أيضا و هو البيع و الصوامع، و بقى ما يخص اليهود و هم بقية أهل الكتاب؛ فجعل ذلك خاصا لهم. و الوجه الآخر، و هو أن اليهود كانوا يسمون موضع صلاتهم: صلوتا و مرادهم به موضع الصلاة. و قد قرأ بعض القراء من الشواذ ذلك على مثل لغتهم، و هو خطأ غير معتد به. فلما عرب ذلك و افتصل عن اوضاع لغتهم، قيل:صلوات، و المراد به مواضع الصلوات. و هذا القول أيضا مبني على ان هذه الآية نزلت و الخمر غير محرمة ثم حرمت من بعد.[50]
[1] ٣٩٥ – الكتاني
عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير، الإمام أبو حفص البغدادي الكتاني المقرئ المحدث.
قرأ القرآن على ابن مجاهد، و محمد بن الحربي، و أبي عيسى بكار، و زيد ابن أبي بلال، و علي بن سعيد بن ذؤابة و غيرهم. سمع “كتاب السبعة” من ابن مجاهد، و سمع من أبي القاسم البغوي، و يحيى بن صاعد، و محمد بن هارون الحضرمي، و جماعة.
قرأ عليه غير واحد، و تلا أبو العز القلانسي على أصحابه.
حدث عنه الحسن بن محمد الخلال، و أبو القاسم التنوخي، و أبو الحسين بن المهتدي باللّه، و أبو محمد بن هزارمرد، و أبو الحسين بن النّقور، و آخرون، و كان يقرئ بمسجده.
قال أبو عمرو الداني: قال عمر الكتاني: سألت ابن مجاهد أن ينقلني عن قراءة عاصم إلى غيرها، فأبى عليّ، فقرأت قراءة ابن كثير على بكار بن أحمد، عن ابن مجاهد، عن قنبل. امتدت حياة عمر حتى كان في آخر أصحاب ابن مجاهد وفاة.
قال الخطيب: توفي في رجب سنة تسعين و ثلاثمائة، و له تسعون سنة(معرفة القراء الکبار، ج ٢، ص ۶٧٩)
[2] [نبذة حول تفسير الشريف الرضي المسمى بحقائق التنزيل و دقائق التأويل]
قال: و قال أبو الحسن العمري: رأيت تفسيره للقرآن فرأيته من أحسن التفاسير، يكون في كبر تفسير أبي جعفر الطوسي أو أكبر، و كانت له هيبة و جلالة، و فيه ورع و عفة و تقشف، و مراعاة للأهل و للعشيرة، و هو أول طالبي جعل عليه السواد. و كان عالي الهمة، شريف النفس، لم يقبل من أحد صلة و لا جائزة، حتى أنه رد صلات أبيه، و ناهيك بذلك شرف نفس و شدة ظلف[2]، و أما الملوك من بني بويه فإنهم اجتهدوا على قبول صلاتهم فلم يقبل، و كان يرضى بالإكرام، و صيانة الجانب، و إعزاز الأتباع و الأصحاب. ذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في التاريخ في وفاة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي قال: كان شيخ الشهود المعدلين ببغداد، و متقدمهم، و كان كريما مفضلا على أهل العلم.
قال: و قرأ عليه الشريف الرضي القرآن و هو شاب حدث، فقال يوما من الأيام للشريف: أين مقامك؟ فقال: في دار أبي، بباب محول فقال: مثلك لا يقيم بدار أبيه، قد نحلتك داري بالكرخ المعروف: بدار البركة، فامتنع الرضي من قبولها، و قال: لم أقبل من أبي قط شيئا، فقال: إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك، لأني حفظتك كلام الله، فقبلها، و كان قدس الله روحه يلتهب ذكاء و حدة ذهن من صغره. ثم ذكر حكايته المعروفة مع السيرافي
قلت: إن علو مقام السيد في الدرجات العلمية مع قلة عمره- فإنه توفي في سن سبع و أربعين- قد خفي على العلماء، لعدم انتشار كتبه، و قلة نسخها، و إنما الشائع منها نهجه و خصائصه، و هما مقصوران على النقليات، و المجازات النبوية حاكية عن علو مقامه في الفنون الأدبية.
و أما التفسير الذي أشار إليه العمري المسمى: بحقائق التنزيل و دقائق التأويل، فهو كما قال أكبر من التبيان، و أحسن منه، و أنفع و أفيد منه، و قد عثرنا على الجزء الخامس منه، و هو من أول سورة آل عمران إلى أواسط سورة النساء على الترتيب، على نسق غرر أخيه المرتضى بقول: مسألة، و من سأل عن معنى قوله تعالى. و يذكر آية مشكلة متشابهة، و يشير إلى موضع الإشكال و الجواب، ثم يبسط الكلام و يفسر في خلالها جملة من الآيات، و لذا لم يفسر كل آية، بل ما فيها إشكال( مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل ؛ الخاتمةج3 ؛ ص193-١٩۴)
و له تفسير على القرآن المسمى بحقايق التنزيل، قال في حقه أبو الحسن العمري: هو أحسن من كل التفاسير و أكبر من تفسير أبي جعفر الطوسي؛ قال شيخنا المتبحر المحدث النوري (نور الله مرقده) في المستدرك: و أما التفسير الذي أشار اليه العمري المسمى بحقايق التنزيل و دقايق التأويل فهو كما قال أكبر من التبيان و أحسن و أنفع و أفيد منه، و قد عثرنا على الجزء الخامس منه و هو من أول سورة آل عمران الى أواسط سورة النساء على الترتيب على نسق غرر أخيه المرتضى يقول مسألة و من سأل عن معنى قوله تعالى، و يذكر آية مشكلة متشابهة و يشير الى موضع الإشكال و الجواب ثم يبسط الكلام و يفسر في خلالها جملة من الآيات، و لذا لم يفسر كل آية بل ما فيها إشكال، الى أن قال: و ذهب في هذا التفسير الشريف الى عدم وجود الحروف الزائدة في القرآن كما عليه جمهور أئمة العرب ثم ذكر مسألة من تفسيره، انتهى.( سفينة البحار ؛ ج3 ؛ ص370-٣٧١)
[3] تلخیص البیان فی مجازات القرآن،المقدمه ،ص ٧٣
[4] المجازات النبوية، ص: 42-۴٣
[5] تلخيص البيان في مجازات القرآن، مقدمه کتاب، ص: 4٢-۴۴
[6] حقائق التاویل فی متشابه التنزیل، النص، ج ١، ص: ٧-١١
[7] حقائق التاویل، ج ١، ص ٨٧-٨٩
[8] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 35-36
[9] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 145-146
[10] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص146
[11] ( 4) هذه قراءة حمزة و الكسائي، قيل: و هي اتباع للمصحف، و قرأ الباقون بالالف محتجين بأن الالف يحذف في المصاحف خطا كما في الرحمن.
[12] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5 ، ص 268
[13] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 335-٣٣٧
[14] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:١۵٨-159
[15] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص ٣٣٧
[16] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٢٨٧-٢٨٩
[17] حقائق التأويل في متشابه التنزيل ، ج5، ص 99
[18] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص ٧
[19] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص ١٨۵
[20] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص324
[21] ( 3) فى الأصل« و تخفيف» و هو تحريف من الناسخ لا معنى له، و الصواب ما أثبتناه.
[22] تلخيص البيان في مجازات القرآن ، ص116
[23] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 124
[24] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص134
[25] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 139
[26] تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص: 139
[27] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 156
[28] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 254
[29] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 2۶۶
[30] ( 2) الضم هو قراءة حمزة و الكسائي. و بقية القراء قرءوها بفتح الفاء. و قال الجوهري: الفواق بالفتح و الفواق بالضم ما بين الحلبتين من الوقت. و فى الحديث الشريف:( العيادة قدر فواق الناقة) انظر« الجامع لأحكام القرآن» ج 15 ص 156.
[31] تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص: 278
[32] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص: 280-٢٨١
[33] ( 4) قرأ السبعة: و إدبار بكسر الهمزة على أنها مصدر للفعل أدبر. و قرأ سالم بن أبى الجعد و يعقوب و سلام و أيوب: و أدبار بالفتح. انظر القرطبي ج 17 ص 80.
[34] تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص:٣١۵-316
[35] تلخيص البيان في مجازات القرآن، 332
[36] ( 1) قرأ ذلك الحسن و عاصم من رواية المفضل الضبي، كما قرأه أبو عمرو من رواية الحسين بن على الجعفي
[37] تلخيص البيان في مجازات القرآن، النص، ص:١۴٣-144
[38] ( 1) فى الأصل« يمددكم بخمسة آلاف …» بدون ذكر لفظة ربكم و قد أغفلها الناسخ غفر الله له جريا على عادته من الإغفال و الإهمال. و هذه هى الآية رقم 125 من سورة آل عمران.
[39] ( 2) مسومين بالفتح هى قراءة ابن عامر و حمزة و الكسائي و نافع أما مسومين بكسر الواو فهى قراءة أبى عمرو و ابن كثير و عاصم.
[40] تلخيص البيان في مجازات القرآن ، ص 164
[41] ( 1) كان من حق هذه الآية فى الترتيب أن تأتى قبل الآية العاشرة التي سبق الحديث عنها فى قوله تعالى:
( فى قلوبهم مرض إلخ) و لا أدرى أ كان ذلك سهوا من المؤلف رضى الله عنه، أم سهوا من الناسخ حيث وضعها فى غير موضعها، و أنزلها فى غير ترتيبها.
[42] ( 2) فى الأصل« و ما يخادعون» على أنها قراءة نافع و ابن كثير و أبى عمرو ليتجانس اللفظان فى الموضعين. و قرأ حمزة و الكسائي و عاصم و ابن عامر« يخدعون» كما أثبتناه. و كما نقرؤه فى المصحف الذي بين أيدينا.
[43] تلخيص البيان في مجازات القرآن،ص 114
[44] ( 1) فى الأصل« و الذين عاقدت» بفعل المفاعلة، و هى قراءة. كما أن هناك قراءة« عقدت» بتشديد القاف، رواها على بن كبشة عن حمزة.
[45] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 127
[46] تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 138
[47] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص: 40
[48] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص 179
[49] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٣٣١-332
[50] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج5، ص:٣٣٨-339
دیدگاهتان را بنویسید